الركض مع الحياة في مرحلة الماجستير!


 تفصلني أيام قليلة عن نهاية مرحلة الماجستير. فترة قصيرة سافرت بها إلى مراحل جديدة ومتعدة علمتني أنني في مواجهة دائمة مع ثقتي بقدراتي وإمكانياتي على القيام بأكثر من دور بذات الأهمية في ذات الوقت.
إذ لم يكن من السهل الترجيح بين أي من الوظيفة أو الدراسة أهم مع العلم أنني كنت ولا أزال أطمح بنجاح وظيفي يؤهلني للوصول إلى لقب (سعادة السفيرة).
المشكلة أن قبولي في برنامج ماجستير القانون في جامعة الملك سعود تزامن مع عامي الوظيفي الأول، وما أقلقني هو ما تعلمناه من أن العود على اول ركزة، فهل أحسنت الركز؟ الله وحده عليم. 
أما بخصوص الدراسة؛ فسامح الله أمي التي عودتني على التميز والتفوق بمبالغة منذ أن كنت في الروضة حتى عرفوني بالطالبة الذكية صاحبة الأسئلة الصعبة والمحرجة! وقد توقفت عن السؤال مؤخراً لأسباب تتعلق بالحفاظ على الود مع الأساتذة والزميلات ولا أخفيكم الحفاظ على الدرجات. 
كان الأمل هو اجتياز هذه الفترة بأقل خسائر ممكنة إلا أنه يمثل تحدياً صعباً خاصة مع مهام العمل و المجاملات الاجتماعية التراكمية عبر سنوات والتي كلفني التنصل من بعضها جدال ونقاش لا يقل عن مستوى الذي يحث داخل البرلمان البريطاني.
الحياة صعبة في ظل ٢٤ ساعة موزعة بين العمل، وحضور المحاضرات، والأنشطة المنزلية المختلفة، ثم وقت كافٍ لإعداد بحث أو الاستعداد لاختبار.. وما تبقى يكون من نصيب النوم!
  ويزداد الوضع سوءاً مع مشاكل العمالة المنزلية؛ إذ أضحى البحث عن الجيد منها يكلفنا مجهوداً وخسائر مادية أكاد أٌقول أنها لا تقل عن مهمة التنقيب عن حقل نفطي.
الحياة ممتعة إلا أنها دوامة من التفكير والعمل ومحاولة الموزانة والإنجاز.
علاقات جديدة تستهلك وقت وجهد دون أن تمر كما يمر الكرام؛ إذ أن مشكلتي تتمثل في مسؤوليتي تجاه كل علاقة، وتفاعلي الشديد مع التجارب الإنسانية ولا ضير في ذلك وإن أرهقتنا أو خذلتنا مادامت تثبت إنسانيتنا.إلا أن الإنسانية هذه المرة اختارت الوقت الخطأ!
ضيف جديد وثقيل زارني في المستوى الثالث بعد تعرضي لوعكة صحية شديدة أسكنتني لأيام العناية المركزة.
 نوف التي عبرت مراراً وتكراراً عن كراهيتها للسكر بعدم إضافته لقائمتها الغذائية لأنها تحب المر وتكره نكهة السكر، يعاقبها السكر مؤكداً فكرة "القلوب عند بعضها" ؛ إذ هاجمني السكري من النوع الأول.
جهد وتفكير يضاف إلى الدوامة السابقة؛ ثورة في النظام الغذائي مع مراقبة لنسبة الجلوكوز قبل وبعد كل وجبة، إضافة إلى حساب كمية الكاربوهيدرات لتحديد الجرعة على أساسها(وأذكر القارئ أنني هربت من الرياضيات بدخول القسم الأدبي دون أن أعلم أن الحياة عبارة عن أشكال من معادلات الرياضيات).
 أكملت الفصل الدراسي رغم فوات الكثير وتراكم الكثير، لأني أؤمن أن الحياة لا تنتظر أحد؛ فإما أن استمر بالركض أو يفوتني القطار.
خوفي من الفشل خاصة مع الرفيق الجديد الذي زاد عدد منبهات هاتفي  لمراقبته-وهي بطبيعة الحال لا تعد ولا تحصى- قابله حماس وإصرار على إنهاء مرحلة الماجستير بمعدل جيد، والاجتهاد العملي الذي أبذل فيه كل ما يمكن حتى لا أترك ثغرة يُحال فيها تقصيري إلى دراستي، مع محاولة هزيمة إبر الأنسولين التي لا أتمنى أن تلازمني طويلاً.
تغيرات سياسية واجتماعية سريعة  تفوق قدرتي على الاستيعاب والتحليل أو التوقع.
ساعدتني القراءة الأدبية على الخروج من ضغوطات كبيرة وكانت وسيلة أعود بعدها لأحرز تقدماً كبيراً.
أتذكر الآن الكثير من المواقف المضحكة والمحزنة، لحظات اليأس والبكاء الذي لم يعلمه سوى الليالي التي كنت أقضيها في محاولة ترتيب أفكاري.
لم أشعر بصعوبة المرحلة والضغط النفسي  إلا بعد انقضائها. شهر يفصلني عن النهاية! أنهيتها دون أن ألاحظ بدون تذمر أو طاقة سلبية أبثها لمن يعلم بدراستي ولمن لا يعلم! ولولا تذكير زميلاتي بذلك في معرض مديح لما انتبهت، وبتواضع شديد هونت الموضوع على أنه أبسط من توقعاتهن. 
إلا أنني الآن وأنا أنظر خلفي أردد(برافو) نوف (أعدت الراحة الكبرى لمن تعبا). راحة مؤقتة لأن الطريق إلى الراحة الكبرى طويل بقدر ثوب الأحلام التي لا تنتهي.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى من يهمه الأمر!..

هذه التدوينة ليست لمن يبحث عن فائدة!

الزمان يهد الأشياء!