لندن




لماذا لندن؟

لم تكن زيارتي الأخيرة للندن هي الأولى – ولن تكون الأخيرة-  ولا أتذكر هي تحديداً أي زيارة، إلا أني أعلم أنني زرت محطات عدة لعواصم شرقية وغربية لم أقض في أي منها مرحلة من حياتي ولا تتجاوز زياراتي سوى الإجازات القصيرة لذا فإنه لا أفضلية معيارية لأي منها. غير أن لندن كسبت بأغلبية مطلقة متقدمة على منافساتها من العواصم الرومانية والفرنجية وذات الإرث الفرعوني.
وكيف لا يكون ذلك للندن وهي لندن الكُتاب والمثقفين، لندن البروتوكولات الإنجليزية  المتميزة بدءًا من شاي بعد الظهيرة وانتهاءً بثقافة الطوابير التي قد تمتد لساعات لأجل الظفر بكوب قهوة في مقهى عتيق!
هي التي قال عنها محمد علوان (لندن جرحنا العربي الكبير الضارب في جذور التاريخ. كل مآسينا العربية أصلها لندن. كل أوجاعنا مصدرها لندن. كل الاستعمار ومخلفاته، والفقر وفجائعه، والعمالة وأذنابها، والشعوب التي نسيت شكل المجد، وطعم الانتصار، منشأها لندن) لتعتذر للعروبة بشارع في وسطها  تمارس فيه تخديرهم عبر السماح لهم باللهو المطلق تحت ستار ثقافتهم العربية.
لندن التي نجحت بقوتها الناعمة أن تنسينا  أن (وعد بلفور) انطلق من أراضيها ليكون الكرت الأخضر لشرعية العدوان الصهيوني وعبثه في مقدساتنا وأراضينا ليخلف علينا خيبة وخذلاناً هي الأعظم في التاريخ الحديث.
لندن العاصمة التي تضم عواصم متناقضة؛ فهذه مناطق العرب وتلك لندن الأفارقة وأخرى لندن الآسيويين، وهذه لندن الشعب المناصر للقضية الفلسطينية، لندن خيام الاعتصام الصغيرة التي ترفع شعارات المقاطعة للمحلات الداعمة للكيان الصهويني.
لندن عاصمة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فتكت بها القوى وتنازلت عن عرشها فأذنت لشمسها بالمغيب تاركة خلفها مبتعث إلى أعرق جامعاتها ليتعلم أصول العلوم الحديثة، وعاشقاً يقف على نهر التايمز يطرب لأنين النوارس. تغيب شمس لندن بعد أن أطمأنت على العجوز التي لم تمنعها بداوتها من التسكع في شوارع لندن بلباسها التقليدي دون خشية إعلان انتمائها.
غابت شمس لندن بعد أن صدح الشاب الإفريقي بأذان المغرب في الهايد بارك، غابت شمسها بعد أن اطمأنت أن العالم الكبير داخل هذه العاصمة الصغيرة نام بسلام.
لا أدعي أنني أعرف كثيراً عن لندن، إلا أني على الأقل أعرف لندن (نوف)، بعيداً عن المزايدة على عروبتي وبعيداً عن إرثها التاريخي تحتل هذه لندن مكانتها المتقدمة بين العواصم لدي وهو ما لا يعرفه الناس عن لندن التي أحبها العرب كمعشوقة أوروبية منذ السبعينات.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى من يهمه الأمر!..

هذه التدوينة ليست لمن يبحث عن فائدة!

الزمان يهد الأشياء!