الكتابة تقودك إلى الثرثرة!


أكتب هذه الكلمات دون وجود فكرة في رأسي، كما أنها ليست تنفيذا لوعد قطعته مع نفسي وأعلنته في تدوينتي الأولى عند إنشاء هذه المدونة.
أكتب فقط لأن حالة ما تلبستني، حالة الرغبة في الكتابة وهي مثل أي حالة مرضية تنزل بك فلا تستطيع منها شفاءً.
ولماذا الكتابة تحديداً؟
قد تكون لأنها كما قال سميح القاسم: (الكتابة بحد ذاتها، تشكل في خلاصتها نوعاً من مخاطبة الذات، تساعدنا على اكتشاف أنفسنا من خلال اكتشاف الأخرين والكشف عن الأشياء التي تناولتها هذه الكتابة).
وقد تكون الكتابة وليس غيرها لأن بيني وبينها علاقة قديمة ظهرت في سنوات الدراسة الأولى، وتحديداً في المرحلة التي بالغت فيها إحدى الأستاذات في مديح لغتي وطريقتي الكتابية مرحبة بي كما قالت في الساحة الأدبية والتي بفضل الله خلت وقتها من طه حسين، جبران خليل جبران، وغازي القصيبي وأمثالهم من كبار الأدباء وإلا لكانوا رفعوا قضايا رد اعتبار نيابة عن الساحة الأدبية التي تطفل عليها الكثير من الدخلاء، ويحمد لظروف الحياة أن جنبتني التطفل فارحتهم من تلك المشقة.
حاولت اللجوء إليها مؤخراً لإيجاد مساحة خاصة بي في وقت انتهكت فيه الخصوصية وأضحى الخلو بالنفس حلماً كبيراً! إلا أن كل محاولاتي تموت قبل أن تولد.. وجدت نفوراً كبيراً بيني وبين الحروف، والكتابة عصية علي. لا أعلم عن السبب. غير أنني اكتشفت أن الحياة تغافلك بسرعة أيامها، تغير طبيعتك ببطيء لا تشعر به إلا عن طريق الصدفة المحضة وأنت تجد قصاصة قديمة تذكرك بإحدى اهتماماتك التي فقدت شغفك بها مع الأيام.  تجد صعوبة في توصيف نفسك وماذا تحب وما لا تحب، قد يكون هذا التغيير صحياً يتلاءم مع التقدم العمري والمعرفي والاجتماعي، إلا أن محاولات الكشف عن شغفك لاتزال تحيرك فتحاول عبثاً لملمة نفسك، فهمها، إعادة ترتيب ذاتك إلا أن الموضوع يبدو شاقاً. المهم أن تحاول!
صديقتي هدى، زميلة العمل ودراسة البكالوريوس والماجستير، رفيقة الحل والترحال أهدتني كتاباً بعنوان (حياة الكتابة) يمكن قراءته في جلسة واحدة لا تتجاوز الساعة، وهو يضم قصص عن بداية المسيرة الكتابية لعدد من أشهر الكتاب العالميين مستذكرين اللحظات الأولى لولادة إبداعهم الكتابي دون أن يكون الاستعداد أو التخطيط ضرورة للانطلاق والبدء. الشرارة الأولى تبدأ الآن! الموضوع لا يحتاج إلى أي استعداد مسبق، إذا دعاك القلم وورقته فاستجب دون تمنع.. فالإلهام قد يأتيك وأن تتابع مباراة بسبول دون أن تكون لك أي ميول كتابية كما جرى مع الكاتب/ هاروكي موراكامي.
ومن هذا المنطلق سمحت لنفسي التي هاجمها الشعور دون أي استعداد ذهني أو فكري للتدوين تاركة للكلمات حق جر بعضها. وبودي لو أنني كما تجرأت الآن أن اتبع ذات الطريقة في كل رغباتي في الحياة التي أخشاها بحجة أنني غير مستعدة رغم أن بعضها قد يصادف شيئاً من طموحي الخاص إلا أنني أخذله مشكلة حركة انقلابية بحجة (للضرورة أحكام) والحكم هنا التريث لأنني لست مستعدة!

والكتابة ليست بالمهمة السهلة إذ أنه سفر في النفس عميق لا ينتهي، يقول سميح القاسم في إحدى رسائله إلى محمود درويش (أُكتب إلي أُكتب إليك) بضم الهمزة في كلا الجملتين. وفي ذلك تأكيد لما نقلته عنه أعلاه بأن الكتابة بشكل أو بأخر ما هي بداية إلا نوع من تجليات الذات والحوار معها بما تحمله من تساؤلات وتأملات أياً كانت الفئة المستهدفة.
وإن كانت القراءة تعلم الإنصات، فإن الكتابة تقودك إلى الثرثرة، ومن هنا أدعو بسلامة رؤوسكم وآذانكم وعيونكم وكل أعضائكم التي ستتعرض إلى ثرثرة من نوع خاص لا تحمل سوى ما أود ألا أنساه وأن يبقى في ذاكرتي التي تتقلب بين صروف الحياة فأدونه في عالم افتراضي يتسع للجميع ولا ينسى!


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى من يهمه الأمر!..

هذه التدوينة ليست لمن يبحث عن فائدة!

الزمان يهد الأشياء!