بعد سنة من قيادة السيارة.


 تمر سنة في هذا الشهر على حصولي على رخصة القيادة، وهي بالمناسبة حدث لا يستهان به ويستحق التخليد، دون أن يدرك المستهين بذلك كم شخص استقدمناه لمهنة سائق كاد أن يصيبنا بحادث لأنه يتعلم بنا فهو لم يسبق له أن أمسك مقود سيارة قبل ذلك. لم تجرب أخي الكريم عجيب مهمة أن تقود السيارة دون أن تقودها فعلياً لأن قدمك لم تكن على المكابح. لم تجرب اللحظة التي يغفل فيها لسانك عن قول فرامل لتتفاجأ بارتطام جزء من سيارتك بجسم أمامك والله الساتر!
 إن كانت القيادة تحتاج إلى تركيز ومجهود عالي فإنها لا تقل عن الدور الذي كنا نقوم به ونحن في المقعد الخلفي.
لم أتصور أن القيادة كتجربة قد تمتد آثارها بهذا الحجم الذي يصل إلى الصعيد الشخص؛ فهي سلوك، ولا أخفيكم أن نظرتي انجرحت لذلك الشخص الذي يتحدث في مقالاته عن القيم الاجتماعية والسلوكية ونقد التصرفات الهمجية وأنا أراه يمشي في كتف الطريق متجاوزاً كل السيارات المنتظمة والمتورطة في زحمة اختناق مروري ولسان حال سيارته يردد " يا أرض انهدي ما عليكي قدي".
وتأكدت بعد القيادة أن تقدير الأشخاص عندي مرتفع، ولا أقصد بذلك طبعاً تقدير نوع السيارة، وإنما الامتثال للخلق الذي حثنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الداعي إلى توقير الكبير والعطف على الصغير حتى تلك الخيبة التي أصابتني مع الشيخ الكبير الذي غالبت يدي وهي تحاول مراراً تنبيهه بأن يمشي دون السماح للسيارات المتجاوزة والقادمة من خارج المسار بالدخول وما نتج عنه من تأخيري لدقائق، لأصادفه بعد لحظات وهو "يسقط علي" في موقف يستدعي مني تغير مساري إجباراً لأن حادثاً يقطعه. ومن هنا أقول لك عزيزتي القائدة لا توقري كبير ولا تعطفي على صغير اللهم نفسي وطريقي وسيارتي!
 أما سالفة "السيدات أولاً" والتي أحبها جداً يتبدل مفهومها لتتحول إلى السيدات آخراً؛ فالفرصة مغرية لإرعاب وإرهاب السيدة والدخول أمامها بالقوة الجبرية، ولا تعتقدي أختي السائقة لأنك سيدة فلك أولية الحصول على موقف! أما المواقف فلا أضاقك الله أزمتها.
المهم أنه بعد القيادة ارتفع مقدار الصبر لدي ولعل ذلك عائد إلى إدراكي لمسؤولية المهمة، انخفض منسوب العصبية لدي، وارتفع مقدار حديثي مع نفسي التي فهمتها أكثر وسمعت صوتها لمسافات طويلة ما بين ساعات الصباح الأولى والمساء الأخيرة دون حد فاقتربت منها أكثر.
ناهيك عن موضوع التحرر الكبير الذي بعثته قيادة السيارة بداخلي، ولا أقصد بذلك التحرر من ترتيب جدول الرحلات المغادرة والقادمة اللاتي لا تفهمه سوى بنات جنسي، وإنما ذلك النوع من التحرر الذي افتقده وأنا أوجه السائق والمتمثل في ضرورة تحديد نقطة وصول معينة. وبذلك فهمت شعور الرجل في المشهد المعتاد في أي مسلسل درامي والمتمثل في أخذه لمفتاح سيارته بعد أي خلاف أو "هوشه" والخروج من المنزل؛ هو يعطي نفسه بقيادة السيارة مسافة ومساحة بدون قيد يسمح فيها لمشاعره بالخروج دون التفكير بالحد الذي يقف عنده فيفرغ ضغوطاته ليعود وهو مرتاح بنسبة كبيرة.
القيادة أكسبتني أوقات جميلة بمرافقة أخواتي في الكثير من المشاوير التي اعتدناها دون قيد على أي ضحكة أو همسة مراعاةً لوجود رجل أجنبي وبذلك أصبحت القيادة متعة بحد ذاتها وأضحى مشوار السوبر ماركت غنيمة اليوم لولا أنهن حصلن على الرخص فلم تعد الحاجة ملحة إلي!
ولا أفوت الإشارة إلى متعة الركوب الجماعي مع الصديقات لتجربة مشاعر المراهقة المتأخرة بالتفاعل مع أغنية نحبها وسقف البانوراما مفتوح!
ولا يكدر صفو هذه المتعة إلا حفر الشوارع التي تكاد تفقدك السيطرة على سيارتك إلا أن النتيجة المأمولة من أزمة الشوارع تهون ذلك. أما التصرف المروري الأرعن فتواجهه بالتوثيق وتبليغ كلنا أمن لتجد حسابك مملوء بقائمة بلاغات لا تصدق عددها!
المهم هو أن القيادة جزء من الاستقلال، والاستقلال مطلب. ونصيحتي الأخيرة والوحيدة: متى كانت القيادة ستفقدك أعصابك فانسحب منها اختياراً لأنه حتماً في الحياة الكثير مما يفقدك إياهاً رغماً عنك.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى من يهمه الأمر!..

هذه التدوينة ليست لمن يبحث عن فائدة!

الزمان يهد الأشياء!