عن المشاعر الإيجابية


تفاجئك زخات مطر رقيقة تطرق زجاج سيارتك الأمامي لتتداخل مع صوت أبو نورة الذي يردد "سايق الخير ساقك" في إشارة تحتمل أن المقصود هو المطر!
مساء دافئ رغم البرد، حنون رغم تمرد آلام البطن، هادئ رغم صخب الشارع.. وسائل التواصل.. الرياض.. المملكة.. الأرض التي استعارت من السماء زرقتها لتحتفل بالهلال بطلاً لآسيا دون أن أقع في فخ الحديث في الرياضة فاضحةً جهلي!
يغيضني وصف المشاعر بإيجابية وسلبية ولكلٍ تعريفه. تستفزني موجة الإيجابية الطاغية حالياً؛ فهذا مدرب حياة، وذلك سكيولوجي وآخر مختص بالطاقة وغيرهم. تختلف المسميات إلا أنهم يتفقون على الترويج لأفكار يصفونها بالإيجابية إلا أنهم بذلك يحيدون عن الواقعية ويفرطون في رفع توقعات الشخص مما يجعله بنظري هشاً في حال اصطدم بأي حدث لم تتمكن إيجابيته – كما يصفونها- من تجاوزها!
من حق كل شخص أن يتفاعل مع الحياة ومؤثراتها بمشاعر كاملة تتوافق مع التغيرات الحياتية وهذا جزء متوافق مع طبيعته الإنسانية التي تتشكل من كتلة من المشاعر المختلفة والمتفاوتة بين الكمد والسعادة. ولا يفوتني قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أتم البشر عند وفاة ابنه إبراهيم (إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك لمحزونون) في دلالة صريحة على أن الرسول وهو سيد الخلق وأكلمهم لم يمنع حزنه من الظهور على حدث دنيوي من عظيم المصائب! التفاعل مطلوب دون الاستغراق في مشاعر الحزن ولعل هذا هو قمة الإيجابية مشعر المنادين بها! الوضع الطبيعي في حالة وفاة عزيز أو أي موقف تنحرف به الحياة عن مسارها الأبيض أن تحزن، والحزن في مفهومهم شعور سلبي إلا أنه من غير المعقول في هذه الحالة أن تفرح كمقاومة لشعورك السلبي. فالمشاعر هي مشاعر؛ تأتِ وتغدو كما يتطلب الحال، ولكل حالٍ مقال ومقام، والحياة تضم الأبيض والأسود والرمادي وتتسع للوردي والأحمر والكحلي.
إدراكك لظروفك ومشاعرك واستيعابك لماهيتها تجعل منك شخصاً إيجابياً أما عن تقسيم المشاعر إلى نوعين فهو نوع من الترف الفلسفي الذي شكل مصدر علم ومال للعديد ممن فتحوا مجالاً وملؤه بالدورات والبودكاست ليصبح حديثاً خصباً وموضة.
طبَع مشاعرك ولا تحاول الهروب منها وتقبل حقيقتك الإنسانية وأن المشاعر المتناقضة جزء من كينونتك، اسمح لنفسك بعيش حزنك، سعادتك، اطلق العنان لدموعك وامسحها ولا يقلقك وصف مالا يتواءم ومزاجك أو حالتك النفسية.. دعه يأخذ حيزه تماماً دون خشية أن يعايرك شخص " النفسية"!
مبروك لجماهير الهلال وهنيئاً لهم مشاعر السعادة ولمنافسيهم الشعور الآخر ولا عزاء.
سعيدة بليالي الشتاء التي تتسع للكثير الكثير، وكما يقول محمد عبده " أسفرت وأنورت من يوم شعشع هلالك" أي هلال هذه الليالي.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى من يهمه الأمر!..

هذه التدوينة ليست لمن يبحث عن فائدة!

الزمان يهد الأشياء!